:112: :sleep: الفتح العربي الإسلامي :sleep: :666:
شكلت معركة اليرموك بين الجيوش العربية الإسلامية والجيوش البيزنطية ،نقطة انعطاف حاسمة في الفتوح العربية الإسلامية ،إذ أن هذه المعركة قد ضمنت انكفاء الروم عن بلاد الشام ومغادرة هرقل أنطاكيا إلى القسطنطينية .وبحسب كتب التاريخ ،فإنه بعد اليرموك ،كان قد تبقى على العرب المسلمين فتح بيت المقدس وقيسارية ،ولذلك يذكر أن فتح بيت المقدس إنما جاء في المرحلة الثالثة من الفتح العربي الإسلامي لبلاد الشام ،فهل كان هذا التأخير متعمدا ؟وكيف يكون كذلك وفتح بيت المقدس في خاطر المسلمين ،منذ زمن الرسول الكريم ،صلى الله عليه وآله وسلم؟
أحد التفسيرات يكمن في أن العرب المسلمين قد اعتمدوا منذ البداية في فتوحهم في المنطقة تجنب المدن ،وركزوا على القرى والسواد ،ففي المدن حاميات بيزنطية ،وأحيانا من الموالين الأقوياء ليبيزنطة ،أما في السواد والقرى ،فالأقرباء من العرب ،ما يمكن معه تجنب وقوع صدامات كبيرة ،و ضمان دخول أعداد جديدة كبيرة من العرب حظيرة الإسلام ،فيكونون عونا ..وبهذا التكتيك فإن الفاتحين العرب استقبلوا أكثرا مما خاضوا معارك مع القبائل العربية المقيمة في بلاد الشام .
وربما آثروا ألا يأخذوا القدس بالسيف ،فلو حدث ووجهوا جيوشهم نحوها منذ البداية ،لا قتضى ذلك منهم حروبا كثيرة ،ووقتا أطول ،وأعطى الفرصة للبيزنطيين كي يحشدوا قواهم في المواجهة ،أما بعد أن تكون أغلب الشام في أيدي العرب المسلمين ،فإن فتح بيت المقدس يكون أيسر .
مثل هذه الاستخلاصات من سير الفتوح في بلاد الشام ،لا يلغي حقيقة أن العرب المسلمين ،كانوا يقصدون مدينتهم المقدسة منذ البداية ، ولم تكن لفتوحاتهم أهداف اقتصادية ولا هي عمليات غزو ،على ما يذهب بعض المستشرقين .فالقدس مكان مقدس ذكرها الله في كتابه العزيز .ما حولها أرض مباركة باركها الله .
يعيد كثير من المؤرخين نية الرسول الكريم صلى الله علية وأله وسلم ،فتح بيت المقدس ،إلى الرسالة التي بعث بها إلى هرقل أثناء وجوده في القدس ،ودعاه فيها إلى الإسلام ،وكذلك إلى السرايا والبعثات التي وجهها قبل وفاته إلى تخوم الشام .
حسب بعض الروايات أن رسول الله صلى الله عليه واله ،قال لواحد من صحابته أعدد ستا بعد وفاتي وتحرر القدس "وتحققت النبوءة الكريمة .فقد أقرنت من البدء بالعمل ،ففي أحاديثه الشريفة أوضح محمد صلى الله عليه وآله وسلم مكانة بيت المقدس ،ومنذ السنة الخامسة للهجرة ،بدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،ببعث السرايا على الطريق بين المدينة والشام ،ففي تلك السنة كانت غزوة دومة الجندل ،وهي مكان على بعد أربعمئة وخمسين كيلو مترا شمال تيماء.
وفي السنة السادسة بعث الرسول ،سرية أخرى إلى دومة الجندل ،وفي السنة السابعة ،كانت غزوة خبير، لأن يهودها كانوا يهددون الطريق إلى الشام ، وفي السنة الثامنة كانت سرية كعب الغفاري إلى ذات أفلاح من ناحية الشام ، وهو في منطقة وادي عربة ،وفي السنة نفسها كانت غزوة ذات السلاسل ،وسرية زيد بن حارثة إلى حدود فلسطين ،ثم جاءت غزوة مؤته وتبوك.
وفي السنة الحادية عشرة للهجرة كانت سرية أسامة بن زيد ،وقد أمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،أن يصل إلى دير البلح في جنوب فلسطين ،لكن الغزوة توقفت فترة بسيطة بسبب وفاة الرسول .ويذكر أبي هشام في سيرته أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،أقام بالمدينة ما بين ذي الحجة إلى رجب ،ثم أمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم ، وكان العام عام عسرة وشدة من الحر وجدب في البلاد ، وكان صلى الله عليه وآله وسلم قلما يخرج في غزوة إلا كنى عنها ، وأخبر أنه يريد غير الوجه الذي يقصده ،إلا ما كان من غزوة تبوك،فإنه بينها للناس لبعد الشقة وشدة الزمان ، وكثرة العدو ،ليتأهب الناس لذلك أهبته ،فأمر الناس بالجهاز وأخبرهم أنه يريد الروم ،لكنه لم يصطدم معهم في حرب ، وأخضع بعض المناطق وكان يأمر ببناء مسجد في كل منطقة يمر بها .
تعكس كل هذه الأحداث توجيها واضحا من الرسول الكريم صلى الله عليه واله وسلم ، ولذلك فإن كثيرا من المؤرخين يشيرون إلى أن حروب الردة هي التي أخرت فتوح الشام ،فما أن انتهى المسلمون منها ،حتى تابعوا ما بداه الرسول الكريم صلى الله عليه واله وسلم .قبل وفاته .
بعد معركة اليرموك ،وكما سبقت الإشارة ،شرع العرب المسلمون في استكمال الفتح ومطاردة الغلول البيزنطية .
في فلسطين كانت مدينة بيت المقدس ، وكذلك قيسارية ،اللتين لم يتم فتحهما ،فضرب المسلمون عليها الحصار .
كان أبو عبيدة بن الجراح يقود حصار بيت المقدس ،الذي دام طويلا على ما تذكر المصادر التاريخية ،وهو أراد منذ البداية دخولها صلحا ، ولكن بطريرك المدينة أراد أن يكون متولي الصلح ،ليس القائد الذي يحاصرها ،بل الخليفة نفسه ،إذ رأى في ذلك ضمانة أوقع أثرا .
كتب أبو عبيدة إلى الخليفة بالأمر ،فحضر إلى بيت المقدس عام ستة عشر للهجرة حسب بعض المصادر ،فيما تشير مصادر أخرى إلى سنة خمس عشرة للهجرة ، وقد أعطى الخليفة عمر بن الخطاب ،إلى أهل بيت المقدس ،ماعرف لا حقا بالعهدة العمرية التي تعتبر وثيقة تاريخية هامة .
ففيها أعطى الخليفة أهل إيلياء "أمانا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبرئيها وسائر ملتها ،أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ،و لا ينتقص منها ، ولا من خيرها ، ولا من صلبهم ، ولا من شيء من أموالهم ، ولا يكرهون على دينهم ، ولا يضار أحد منهم ، ولا يسكن بايلياء معهم أحد من اليهود ".
وتجمع المصادر التاريخية ،على أعد الفقرة الخاصة باليهود ،إنما جاءت على طلب من البطريك صفروينوس.
تحدد بقية نص العهدة شروط المصالحة فتقول :"على أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن ، وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص ، فمن خرج منهم ،فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مآمنهم ، ومن أقام منهم فهو آمن ، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية ،ومن أحب من أهل أيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ، ويخلي بيعهم وصلبهم ،فإنهم آمنون على أنفسهم حتى يبلغوا مآمنهم ، ومن كان بها من أهل الأرض ،فمن شاء منهم قعد ،وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية ، ومن شاء سار مع الروم ، ومن شاء رجع إلى أهله ،لا يوخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم ، وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله ، وذمة رسوله ، وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين ،إذا أعطوا الذين عليهم من الجزية ".