إذا كنت ممن يحبون تقصى تفاصيل أخبار أخر سيارة إيطالية جديدة أو مباراة كرة قدم في كوريا أو مسابقة غنائية عبر الأقمار الصناعية أو تقليعة في عالم الأزياء أو فضيحة في حياة الممثلين والمغنين أو "صرعة" في عالم الهاتف المحمول والأجهزة الالكترونية، وإذا كنت في الآن عينه ممن يشعر أن العراق وفلسطين والجولان ومزارع شبعا والباقورة الأردنية وباقي الأراضي العربية المحتلة تقع كلها على كوكب زُحل، وأن النضال ضد الظلم والطغيان ومن أجل وحدة الأمة مجرد خيالات لا طائل منها، وأن المهم هو أن "يعيش" الإنسان حياته كفيديو كليب وأن يسعى على الهامش لتأمين حاجاته بأية طريقة ممكنة دونما حاجة للتفكير بما يوجع الرأس ويسبب "المشاكل"، فيا حبذا لو تمن على هذه السطور بدقيقتين يا أخي وأختي إذا كنتما من هذا الفئة المتزايدة العدد في وطننا العربي الكبير لأمرٍ مهم لكما بعده أن تفعلا ما تريدانه.
هل فكرت يا ترى لماذا يتقاضى من يحمل نفس مؤهلاتك في أمريكا مثلاً عشرة أضعاف راتبك على الأقل بعد تخرجه، هذا على افتراض أنك وجدت عملاً؟ وعلى فكرة، لماذا يأتينا سيل الابتكارات الصناعية والتكنولوجية والمنتجات الترفيهية والثقافية الجديدة، التي يصبح تعاطينا واستهلاكنا لها "ضرورة" اجتماعية كي لا نصبح "أقل شأناً" من غيرنا، من حفنة معلومة من الدول والشركات الدولية الكبرى؟ وهل تساءلت يوماً لماذا تبحث عن حلولٍ لمشاكلك خارج وطنك وبيئتك، سواء بالهجرة والعمل في الخارج أو في عالمٍ من نسج خيالك وخيال أصدقائك؟
الحقيقة هي أننا لو كنا نحن العرب الذين نطور السيارة والطائرة والمحمول وغيرها لكانت فرصك الاقتصادية وبيئتك الاجتماعية والثقافية مختلفة بالضرورة. ولكن ما يجب أن تعيه هو أن الأمم التي تمتلك حريتها ووحدتها هي التي تخلق أفضل الفرص للمواطن ليحقق ذاته فيها. فالمشكلة بالأساس ليست الفروق الفردية بين المواطن العربي والمواطن في أوروبا الغربية أو اليابان مثلاً، أو مشكلة ظروفك أنت بالذات. وهذا يعني أن زيداً أو عبيداً أو فاطمة ربما يجدون حلولاً لمشاكلهم الفردية بشكلٍ أو بأخر، ولكن من أين لباقي أخوتهم وأخواتهم أن يجدوا مثل هذه الحلول!
وإذا أخذنا مثلاً يحبه بعضكم هو أمريكا فسنجد أنها قدمت ستمئة ألف قتيل في القرن التاسع عشر لكي تحافظ على نفسها من التفكك إلى دويلات، وهو أكبر ثمن دفعته أمريكا في أي حرب خاضتها في تاريخها. فهل تعتقدون أنها كان يمكن أن تكون على ما هي عليه اليوم لو رضي مواطنوها على أنفسهم أن يقعدوا أو يهربوا وبلادهم تتفسخ، أو لو بقيت تحت الاحتلال البريطاني قبلها؟!
إذن المجتمعات والأمم الفاعلة في التاريخ لم تولد هكذا، ولم تحقق نوعاً من شروط التوازن لمواطنيها وهم يبحثون عن حلول فردية لأنفسهم أو عن هروب في عالمٍ خاص أو مفتعل. بل أصبح لتلك المجتمعات، بالرغم من كل النقائص التي تلتصق بها، آلية قابلة للحياة والتطور الذاتي لأن مواطنيها أدركوا الحاجة للقيام بعمل منظم يعالجون به مشاكلهم العامة، أي أدركوا الحاجة لممارسة العمل السياسي بكل أشكاله دون أن يطلبوا إذناً من أحد. ونحن بالمقابل نبحث عن حلول فردية أو قطرية لمشاكل عامة عربية. مشكلتنا إذن هي ضعف الإرادة الجماعية والوعي العام، وتفشي الوعي الزائف عند قطاع لا باس به من أصحاب المشكلة أنفسهم، ولذلك نفشل كمجتمعات وكأفراد في حل مشاكلنا بصورة جذرية...
فهل وصلت الرسالة؟
:555: